التعمق في استخدام النساء للخدمات المالية الرقمية في الأردن
على الرغم من التطور المستمر الذي نشهده اليوم في العديد من المجالات التنموية للحد من عدم المساواة ورفع مستوى المعيشة لأكثر الفئات ضعفاً في جميع أنحاء العالم، تبقى حقيقة واحدة ثابتة دون تغيير: معدلات الشمول المالي للمرأة ليست في تزايد. في الواقع، لا تزال الفجوة بين الجنسين في الشمول المالي كما هي منذ عام 2011 (1). والحوار مستمر حول سبب استبعاد النساء من النظام البيئي المالي الرسمي وما يمكن فعله للحد من هذا الاستبعاد. ومع ذلك، فإن ما قد يغير الطريقة التي نواجه بها هذا التحدي حقًا، والذي قد يؤدي إلى نتائج ملموسة، هو سؤال النساء عما يردنهُ والحصول على رؤاهم حول ما سيقرّبهن من الوصول إلى الخدمات المالية واستخدامها.
لقد أجريت أبحاث عديدة حول سبب قلة استفادة النساء من الخدمات المالية. وتراوحت الأسباب بين محدودية الوصول إلى التكنولوجيا والحواجز الثقافية، والحركة المحدودة، وضعف تمثيل المرأة في سوق العمل من بين أسباب أخرى. وعلى الرغم من أن هذا التحليل عالمي إلى حد كبير، إلا أن لكل دولة ظروفها وتحدياتها الخاصة بها، مما يتطلب التحقيق في السياق المحلي وتكييف الجهود لتعجيل سد الفجوة بين الجنسين. في الأردن، تعد الفجوة بين الجنسين في الشمول المالي واحدة من أعلى الفجوات في العالم. 56٪ من جميع الرجال الأردنيين مشمولون مالياً مقارنة بـ 27٪ من النساء، وهو ما يعادل أقل من واحدة من كل ثلاث سيدات (2) (Global Findex 2017) . من هذا المنطلق، ولفهم احتياجات وسلوكيات المرأة المالية بشكل أفضل، تعاونت الشركة الأردنية لأنظمة الدفع والتقاص- جوباك- مع صندوق مشاريع المرأة العربية لإجراء تجربتين رقميتين تبحثان في وصول المرأة إلى الخدمات المالية الرقمية واستخدامها، وخاصة المحافظ الإلكترونية. 1.9٪ من الرجال الأردنيين يستخدمون الخدمات المالية الرقمية بينما 0.1٪ فقط من النساء يستخدمن هذه الخدمات (Global Findex 2017)
التجارب الرقمية هي تدخلات في استراتيجيات الأعمال التجارية أو التقنية أو التوعية أو الاتصالات الحالية التي تحكم الخدمات المالية الرقمية. وهي تتراوح بين التسويق والتوعية إلى حل تكنولوجي جديد، أو حتى نموذج عمل جديد قادر على تعزيز مجال العمل المحدد. وهي تهدف إلى تحليل تأثير الخدمات والحلول، ومعالجة التحديات والثغرات غير المتوقعة، وتقديم أفكار تزيد من اعتماد الخدمات المالية الرقمية. وقد قامت التجارب المذكورة بالتحقيق في تأثير برنامج مكافآت وتأثير رقمنة دفع وسداد القروض الصغيرة على زيادة وصول المرأة إلى المحافظ الإلكترونية واستخدامها. وكان تركيز التجارب على كل من سلوك وتجربة وآراء النساء.
وجدت التجارب الرقمية أن المرأة عميل متأني ودقيق عندما يتعلق الأمر بحياتها المالية، وخاصة في المجتمعات ذات الخدمات المحدودة. فالمرأة لا تسجل في الخدمات المالية إذا لم تفهمها بشكل كامل. في إحدى التجارب التي أجريناها، تم عرض حافز مالي على النساء لفتح محافظ إلكترونية. والمثير للدهشة أن هذا الحافز لم يؤد إلى أعداد تسجيل عالية للمحافظ. في وقت لاحق من التجربة المذكورة، عُقدت جلسات توعية شاملة وزاد بعدها معدل التسجيل واستخدام المحافظ. وهذا يقود إلى الاستنتاج بأنه لا يمكن جذب النساء إلى الخدمات المالية باتباع نهج الفوز بالمبيعات السريعة. ونتيجة لهذا الاستنتاج، نوصي بشدة بتكثيف جهود التوعية المالية للنساء وتقديم إرشادات عملية حول استخدام المحافظ الإلكترونية.
في التجارب الرقمية التي تم إجراؤها، أثبتت التجربة الفنية مع تطبيق المحفظة والتفاعل مع الوكلاء – الخط الأول في تقديم الخدمات للعملاء - أن لهم تأثيرًا ملحوظًا على استخدام النساء النشط للمحافظ. كان دافع النساء اللواتي بدأن في استخدام المحافظ هو سهولة استخدام تطبيق المحفظة. كما أعربوا عن تقديرهم لتوافر المعلومات حول الرسوم في التطبيق. وهذا يعزز الافتراض بأن تجربة العميل يجب أن تكون سلسة وغنية بالمعلومات. على الجانب الآخر، قام بعض الوكلاء بمشاركة معلومات مضللة مع العملاء وأخذوا رسومًا أعلى مما ينشره مقدمو خدمة الدفع عبر الهاتف النقال (PSPs)، مما أربك العملاء وثبطهم عن استخدام المحفظة. نظرًا للدور الحيوي الذي يلعبه الوكلاء في دورة خدمة المحافظ الإلكترونية، يعد تدريب الوكلاء بشكل شامل ومتابعة أدائهم استثمارًا حيويًا من قبل PSPs لزيادة استخدام النساء على وجه الخصوص، وجميع العملاء بشكل عام، للمحافظ الإلكترونية.
أحد عناصر التجارب التي أدت إلى نتائج إيجابية هو تمثيل المرأة في الخدمات المالية. أدارت جلسات التوعية المالية قائدة مجتمع محلي تلقت تدريباً على المحافظ الإلكترونية وآمنت بتأثير المحافظ الإيجابي على الشمول المالي للمرأة مما دفعها إلى تبني القضية. ولأنها تدرك احتياجات النساء ونقاط ألمهن في مجتمعهن، كانت قادرة على معالجة مخاوفهن ونقل الرسائل الرئيسية حول المحافظ الهاتف المحمول بطريقة مقنعة. علاوة على ذلك، خدمت موظفة في إحدى التجارب النساء وساعدتهن في فتح المحافظ، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التسجيل. يمكن للمرأة التي تخدم المرأة أن تساهم في زيادة الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية واستخدامها.
أكثر ما تقدّره النساء في استخدام المحافظ الإلكترونية هو الخصوصية وتوفير الوقت والمال. إن امتلاك أداة مالية تقدم الخصوصية الكاملة جعل المرأة تشعر بمزيد من القوة والاستقلالية. علاوة على ذلك، وبسبب الالتزامات العائلية التي يتحملونها وتحدي النقل لإدارة الالتزامات والمهام، فإن النساء يقدرن في الغالب إجراء المعاملات من خلال محافظ لتخليصهن من تكاليف النقل المذكورة. التوجيه الكافي حول حالات استخدام المحافظ كان له دور في تعريف النساء على المحافظ وتعزيز ثقتهن في التعامل من خلال محافظهن.
إلى جانب العناصر المختلفة لتجربة النساء في استخدام المحافظ الإلكترونية، كان لبرنامج محدد تأثير إيجابي على مستوى نشاطهن. تضمنت إحدى التجربتين إدارة برنامج مكافآت حيث تمت مكافأة العملاء مقابل عدد الحركات التي يقومون بها. اتبع البرنامج نظام النقاط واشتمل على سحوبات أسبوعية ونصف شهرية. وزاد البرنامج من النشاط المالي للمستفيدات المستهدفات بنسبة تقارب 38٪. من الواضح أن هذا التكييف الإيجابي حسّن من فهم المحافظ للمجموعة المشاركة في التجارب وزاد من ثقة النساء في مقدم الخدمة. ولذلك نُشجع مقدمي خدمات الدفع ونشطاء الشمول المالي على تقديم برامج لبناء ولاء قوي للعملاء.
في الختام، تتطلب الخدمات المالية الشاملة للنوع الاجتماعي التواصل المناسب مع النساء والاستثمار في توعية ذات جودة عالية وتنويع برامج الخدمات. يمكن أن تؤدي الأفكار القيّمة التي تقدمها النساء بشأن احتياجاتهن وتوقعاتهن إلى تعزيز الخدمات التي تشجع على اعتمادهن واستخدامهن الفعال للخدمات المالية الرقمية. كما يمكن للمرأة أن تساهم في النمو الاقتصادي من خلال اكتساب المهارات لإدارة مواردها المالية ونتيجة للانخراط في أنشطة منتجة اقتصادياً. ويعمل سد الفجوة بين الجنسين في الشمول المالي كعامل تمكين ومسرع لتنمية البلدان، والنمو الاقتصادي، والحد من عدم المساواة، وتطور الأعمال، والإدماج الاجتماعي. في حين أن الطريق قد تبدو طويلة، فإن فهم احتياجات المرأة ومعالجتها يعد خطوة رئيسية لتحقيق هدف تقليص الفجوة بين الجنسين في الشمول المالي.
- Financial Inclusion for Women: A Way Forward: Click here
- The Little Data Book on Financial Inclusion 2018, page 82: Click here