النقود الإلكترونية في زمن الأزمات: بطل غير متوقع
تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من نصف سكان العالم اليوم تحت الحجر الإلزامي، ومن المحتمل أن يكون النصف الآخر قد شهد تغيرات جذرية في حياتهم اليومية نتيجة لوباء الكورونا. وغني عن القول إن هذه الأزمة ستكون لها تداعيات وخيمة على صحة الاقتصادات والأسواق العالمية على حد سواء. ومع ذلك، فقد ذكّرنا الوباء جميعًا بالأولوية الرئيسية للمؤسسات العامة والخاصة: حياة الانسان. وبما أن المواطنين والمؤسسات حول العالم يمارسون ويطبقون التباعد الاجتماعي، فيمكنني القول بفخر أن التضامن قد أصبح بالفعل ظاهرة عالمية. في تحليل حديث للسيناريوهات المحتملة لكل من العواقب الصحية والاقتصادية للفيروس، حدد ماكينزي (1) ضرورة أساسية؛ من أجل اجتياز هذا التحدي العالمي فنحن بحاجة لحماية حياتنا وسبل عيشنا. مما يعني أننا كي نخرج من هذه الأزمة أقوى وأكثر مرونة، يجب أن نركز جهودنا على أزمة الصحة العامة وما يترتب على ذلك من اضطراب اقتصادي.
هنا في الأردن، البلد الذي أسميه بكل فخر الوطن، جعلتنا هذه الأزمة أقرب كشعب وأقرب إلى مؤسساتنا العامة. حيث كانت استجابة الحكومة الأردنية واحدة من أكثر الاستجابات استثنائية على المستوى العالمي، من سن قوانين إغلاق كاملة على مستوى الدولة إلى تقديم سياسات وإجراءات طوارئ مالية ونقدية واجتماعية ورفاهية وإجراءات حماية للعمال، عزز ذلك من مكانة الأردن وقدراته على الصعيد العالمي. وبالإضافة إلى الاستجابة الأولى من قبل الأطباء وجميع العاملين في الميدان من أجل سلامتنا، كشفت هذه الأزمة أيضًا عن بطل جديد: النقود الإلكترونية.
وصلت النقود الإلكترونية إلى الأردن في العام 2014 عندما أطلق مجلس المدفوعات الوطني نظام البدالة الوطنية للدفع عبر الهاتف النقال (نظام جوموبي)، ليتم إدارته من قبل البنك المركزي الأردني. وبذلك وضع نظام جوموبي الأسس لمقدمي خدمة الدفع عبر الهاتف النقال للدخول إلى السوق وتقديم منتجات النقود الإلكترونية. ويُعتبر نظام جوموبي فريدًا بالنسبة للأنظمة الأخرى للدفع عبر الهاتف النقال من عدة نواحي. أولاً، كانت جميع إصدارات النقود الإلكترونية مدعومة بالكامل ومضمونة في حسابات الضمان، بالإضافة إلى تسوية معاملات جوموبي التي تتم في النقود الإلكترونية للبنك المركزي (عبر RTGS). ثانيًا، تم تصميم جوموبي ليكون نظامًا بينيّاً مفتوحًا يضمن التشغيل المتبادل أو البيني. ثالثًا، يحدد النظام بشكل فريد العملاء والمحافظ من خلال مزيج من الهوية الوطنية الأردنية للأردنيين ومعرفات فريدة أخرى لغير الأردنيين بالإضافة إلى أرقام الهواتف النقالة. وهو أيضًا نظام مدفوعات التجزئة الوحيد الفوري العامل في الأردن عند ظهور الأزمة.
هذه الخصائص المميزة التي تم تصورها في الأصل لضمان الخدمات المالية الرقمية الآمنة والمتاحة لغير المشمولين في الخدمات البنكية في الأردن، تكيّفت مع جوموبي الذي أصبح الآن قيد التشغيل من قبل شركة جوباك، لتصبح القناة المالية الأساسية التي تربط بين الحكومة والقطاع الخاص والشركات والمنظمات غير الحكومية على حد سواء مع المستفيدين والموظفين، وهي جزء لا يتجزأ من استمرارية خدماتهم المالية خلال فترة الإغلاق.
ومن أجل تعزيز هذه الإمكانية وضمان التنفيذ السلس لتدابير الإغاثة الاقتصادية والإنسانية، قدّم البنك المركزي الأردني وشركة جوباك وجميع المؤسسات المالية العاملة في السوق سياسات وتدابير وإجراءات تهدف إلى توسيع مظلة الوصول إلى الأدوات المالية الرقمية، ولاسيما المحافظ الإلكترونية على وجه الخصوص. وكانت أولى هذه الإجراءات السماح بالتسجيل الرقمي عن بُعد من خلال العناية الواجبة الإلكترونية والمبسطة لعملاء المحافظ الإلكترونية. وقد تمّ ذلك دون أي تنازل عن سلامة النظام المالي ونزاهته بسبب الخطة الوطنية الشاملة لتحديد الهوية الأردنية والبطاقة المعرفة للاجئين التابعة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR).
علاوة على ذلك، ولضمان عدم احتجاز أي أرقام هواتف نقالة (تعمل كمعرفات فريدة للمحفظة) عبثاً، قامت جوباك والبنك المركزي مع جميع المشاركين في نظام جوموبي بجهد كامل لتنقية البيانات مما أدى إلى إغلاق جميع محافظ الهواتف النقالة غير النشطة (بدون أرصدة وبدون معاملات لمدة عام واحد على الأقل). وكان لهذا أهمية كبيرة لأنه حرّر نسبة كبيرة من أرقام الهواتف النقالة المرتبطة بالمحافظ غير النشطة للمستفيدين ليتمكنوا من الاستفادة منها. كما قدّم ذلك رؤى عالية الدقة حول المستفيدين من المحافظ الإلكترونية في الأردن، منهم 91.3 ٪ أردنيون و2.67٪ لاجئون.
ومن المعروف بأنه خلال أوقات الأزمات تسود الابتكارات ومنها واجهة الوكلاء الموحدة UAIالتي تم تطويرها داخليًا في جوباك بهدف أساسي يتمثل بخلق منصة قابلة للتشغيل البيني لوكلاء مقدمي خدمة الدفع عبر الهاتف النقال لخدمة أي مستخدم للمحفظة الإلكترونية. ومع ذلك، خلال أزمة الكورونا ظهرت العديد من التطورات والتحسينات على المنصة استجابة لمتطلبات المرحلة، مما جعلها مركزًا لعاصفة ابتكارية موجّهة نحو أتمتة وتمكين الوصول إلى معلومات وخدمات المحفظة الإلكترونية عن بُعد. وشمل ذلك خدمة الاستفسار عن المحفظة عبر الإنترنت المبنية على تقنية OCR لاستخراج المعلومات من بطاقات الهوية الوطنية، ودليل شامل لوكلاء المحافظ الإلكترونية في جميع أنحاء المملكة، بالإضافة إلى معلومات حول الرسوم التي يتقاضاها كل مقدم خدمة لتمكين المستهلكين من اختيار أفضل مقدم خدمة. وجلب هذا انتباهنا إلى الإمكانات التي تمتلكها المنصة، ونحن نتطلع إلى تطويرها أكثر، لتحويلها إلى منصة شاملة لمستخدمي المحفظة الإلكترونية.
وكمحصلة للإجراءات المذكورة آنفاً تمّ فتح ما يُقارب 85000 محفظة جديدة في بدايات الأزمة، بزيادة 20٪ في عدد المحافظ في الأردن، ومن المتوقع أن ينمو هذا الرقم بشكل كبير، وبشكل خاص مع استمرار صندوق المعونة الوطنية في ترحيل المستفيدين من المعونات النقدية إلى الخدمات المالية الرقمية، بالإضافة إلى بدء الحكومة بصرف المساعدات النقدية للأفراد الأكثر تأثرًا اقتصاديًا فقط من خلال المحافظ الإلكترونية معتمدة على قدرات النظام في تنفيذ مدفوعات الحزم الجماعية Bulk of Payments.
وحيث أن مفتاح نجاح جميع التدابير والمبادرات المذكورة أعلاه يكمن في تمكين العملاء من خدمات السحب والإيداع النقدي بالإضافة إلى تعزيز استخدامات النقود الإلكترونية بشكل مناسب لاحتياجات العملاء، لجأت المملكة إلى تعزيز وكلاء السحب والإيداع بأسلوب ابتكاري. فقد كانت نسبة الوكلاء إلى عدد المحافظ قبل الأزمة 1:414 ولتقليل هذه النسبة وضمان وصول أكبر عدد من العملاء إلى خدمة الإيداع والسحب، قام بنكان في الأردن بتقديم إمكانات السحب النقدي الكامل بدون بطاقة لحاملي المحفظة الإلكترونية من خلال شبكة أجهزة الصراف الآلي الخاصة بهم، مما جعل نسبة المحافظ إلى مرافق السحب والإيداع 1:339، مع توقع انضمام بنك آخر لرفع النسبة الإجمالية إلى 1:294 لتصبح متقاربة مع أسواق النقود الإلكترونية الرائدة، مثل كينيا ورواندا وأوغندا (2).
ولتعظيم فرص الاستخدام الرقمي لنقود المحافظ الإلكترونية، تم ربط نظام إي فواتيركم -نظام عرض ودفع الفواتير الإلكتروني الوحيد في الأردن- مباشرةً مع نظام جوموبي، مما يتيح دفع الفواتير بسلاسة لحاملي المحفظة وضمان عدم تراكم هذه الفواتير عليهم وبشكل خاص مع الزيادة غير المسبوقة في عدد المفوترين على منصة إي فواتيركم مما يضيف من فرص استخدام المحفظة الإلكترونية.
علاوة على ذلك، أطلق البنك المركزي الأردني بالشراكة مع جوباك صندوق التحدي للكورونا للترويج لمقدمي خدمة الدفع عبر الهاتف النقال لتمكين تقنيات الدفع بدون تلامس (مثل QR أو رمز الاستجابة السريعة باستخدام المعايير المتوافقة مع EMVCo) واكتساب التجار لزيادة فرص الاستخدام وقبول دفع المشتريات من المحفظة. كما تعمل شركة جوباك أيضًا على تمكين التشغيل البيني لمنصات التجارة الإلكترونية مع المحافظ الإلكترونية والدفع عبر رمز الاستجابة السريعة. وفي الختام، يلخص ما سبق بعض الجهود المبذولة لضمان حماية الفئات الأكثر تعرّضاً لتداعيات الأزمات في الأردن من خلال النقود الإلكترونية وخلال هذه الأزمة بالتحديد. وستقوم شركة جوباك بإجراء تقييم شامل للأثر على الخدمات المالية الرقمية في أوقات الأزمات، لتقييم مرونة البنية التحتية للمدفوعات في الأردن واستخلاص الدروس لحماية اقتصادها في مواجهة أية أزمات مستقبلية.