من تحديات إلى فرص جوهرية: دور المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وأساليب التمويل المبتكرة

-

الدور الأساسي للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وأهمية تعزيزها

مع تصنيف 99.5%  من الشركات في الأردن على أنها مؤسسات متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة (MSMEs)، فإن لها مساهمة لا مثيل لها في الاقتصاد الأردني، إذ تشكل هذه الشركات دعامة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتُشغّل أكثر من 60%  من إجمالي القوى العاملة، وتساهم بنسبة 40%  في الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن توفير هذه المؤسسات العديد من فرص العمل، ونهوضها بالمجتمعات المحلية، وتعزيزها للتوزيع المتوازن للدخل، وطرحها أساليب مبتكرة لحل المشكلات.
ونظراً لاعتماد اقتصادنا بشكل كبير على المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، فإن دعم هذه المؤسسات أمر بالغ الأهمية لعدة أسباب، نذكر أبرزها دفع عجلة النشاط الاقتصادي والنمو وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية. ورغم أن السنوات الخمس عشرة الماضية شهدت زيادة كبيرة في عزم الشركات الناشئة، والتي أسفر عنها زيادة ملحوظة في برامج مسرعات الأعمال والاستثمارات وفعاليات بناء منظومة العمل ككل، إلا أن هناك فرصاً ضائعة وفجوات كبيرة لا تزال قائمة، ولا بد من معالجة هذه الفجوات لتحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز دورة الأعمال.

التحديات في تمويل المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة: رأس المال العامل وتمويل سلسلة التوريد


تبلغ معدلات اقتراض المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في الأردن 5.7% و17.2% و18%  على التوالي، حيث تقترض هذه المؤسسات بشكل حصري تقريباً من البنوك. وهذا يقودنا إلى قضيتنا الرئيسية المتمثلة في تمويل رأس المال العامل للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، إذ يعد تمويل رأس المال العامل أحد أهم التحديات التي تواجه هذه المؤسسات، ويعني توافر النقد اللازم للشركة لإنفاقه بأريحية على العمليات اليومية، ويشمل ذلك الأصول السائلة (Liquid Assets) أو الأصول التي يمكن تسييلها بسرعة.
ونظراً للموارد المحدودة ومبالغ القروض غير المجدية ( التي تتراوح في الغالب من حوالي 10 آلاف إلى 100 ألف دينار أردني)، غالباً ما تواجه المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة صعوبات في السيولة، حيث تكون هذه المبالغ في بعض الأحيان مرتفعة للغاية بالنسبة لمؤسسات التمويل الأصغر ومنخفضة للغاية بالنسبة للبنوك، مما يعيق قدرتها على التوسع أو حتى توفير منتجاتها وخدماتها الأساسية. إضافةً إلى ذلك، وفي العادة، لا تمتلك هذه المؤسسات ضمانات كافية، وحتى عندما تمتلكها، فإنها غالبًا ما تكون غير مسجلة، وهو ما يجعل هذه الشركات تبدو أكثر خطورة في نظر الممولين بسبب عدم الاستقرار الملحوظ والإدارة الأقل خبرة.
ونتيجة لهذا، كثيراً ما تحجم المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة عن التقدم بطلبات للحصول على قروض مصرفية بسبب أسعار الفائدة المرتفعة والشروط غير المواتية، مما يجعل من الصعب عليها توسيع نطاق أعمالها. وبدلاً من ذلك، قد تعتمد على شروط الدفع التي يتم التفاوض عليها مع المشترين أو الموردين، مما يسمح ببعض المرونة في التدفق النقدي. ومع ذلك، فإن هذه الترتيبات يمكن أن تشكل ضغوطاً على الطرفين، حيث يُعرض على الموردين عادةً شروط سداد مدتها 90 يوماً، لكنهم يجدون صعوبة في تمويل رأس المال العامل الخاص بهم أثناء انتظار المدفوعات من المشترين. وكثيراً ما يؤدي هذا النهج إلى استبعاد الشركات للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من محافظها الاستثمارية ــ الأمر الذي يتسبب في خسائر لكل من المشترين والموردين.
ويتطلب هذا الوضع دعمًا مستمرًا لمساعدة الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة على التغلب على العقبات والتقدم والمساهمة بشكل هادف في الاقتصاد. ولحسن الحظ، يشجع الإطار التنظيمي في الأردن الاقتصاد الرقمي، مما يقلل من تكاليف العمليات ويقدم فرصًا للحلول المالية المبتكرة.

استكشاف الفرص: الابتكار الرقمي وتمويل سلسلة التوريد


إن البيئة الحالية تمكننا من استكشاف أساليب مبتكرة لإدارة الشؤون المالية والتكنولوجيا. ويمكن للتطورات الرقمية أن تعمل على تحسين كفاءة الخدمات المالية وإمكانية الوصول إليها وإدارة المخاطر التي تتعرض لها المؤسسات المصرفية. ويضمن تسخير هذه الابتكارات قدرة أكبر على الاستفادة من التحول الرقمي مع الحفاظ على استقرار القطاع المصرفي.
ويأتي في هذا المطاف دور تمويل سلسلة التوريد، حيث يوفر تمويل سلسلة التوريد للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة مسارًا بديلًا لإدارة رأس المال العامل. وبعد البدء في تطبيقه دوليًا، تطور تمويل سلسلة التوريد ليصبح أداة قوية لهذه المؤسسات تتيح لها الاستفادة من الجدارة الائتمانية (Credit Worthiness) لشركائها التجاريين الأكبر حجمًا، مما يمكنها من الوصول إلى التمويل بضمان الفواتير غير المدفوعة. ويساعد نموذج التمويل هذا المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة على الحفاظ على السيولة دون اللجوء إلى القروض التقليدية الباهظة الثمن.
ولقد اتخذ الأردن خطوات مهمة لتعزيز تمويل سلسلة التوريد، ومن بين هذه الخطوات استحداث سجل الطلبات (Call Registry)، الذي يمكّن البنوك من توثيق الأوراق التجارية رقميًا، مما يخفف من خطر الاحتيال ويعزز الشفافية. وقد أدى تطوير البنية الأساسية الرقمية، بما في ذلك تفعيل التوقيع الرقمي، إلى خلق أساس متين لازدهار تمويل سلسلة التوريد.
وقد فُسح المجال لهذا التقدم أيضًا من خلال الشركات الناشئة المبتكرة في الأردن، والتي كانت سبّاقة في ابتكار حلول مصممة خصيصًا للأسواق المحلية والإقليمية. وتلعب هذه الشركات الناشئة، التي ترسخت في المنظومة الريادية في الأردن، دورًا حاسمًا في ضمان تلبية تمويل سلسلة التوريد لاحتياجات المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وتعزيز النمو الاقتصادي.

تحدي الشركات في تمويل سلسلة التوريد 


بالتعاون مع المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، أطلقت جوباك تحديًا للشركات لمعالجة قضايا سلسلة التوريد التي تؤثر على المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. ومن بين العديد من المشاركين، برزت شركة Credit Plus التي أسسها شادي أبو مذكور بإثبات مفهوم مبتكر (Proof of Concept)، وهي شركة ناشئة تخرجت من مركز التكنولوجيا المالية (جوين). تم تطوير إثبات المفهوم لدى شركة Credit Plus بالشراكة مع ثلاثة بنوك رئيسية في الأردن، ألا وهي: البنك الأردني الكويتي، وبنك الإسكان للتجارة والتمويل، والبنك الإسلامي الأردني. وما يميز شركة Credit Plus هو ربطها التقني السلس مع هذه البنوك، مما يقضي بشكل فعال على التكاليف التنظيمية والامتثال ويجعله ممكنًا وبأسعار معقولة للسوق الأردنية.
توضح هذه الحالة كيف يستخدم المبتكرون الأردنيون تمويل سلسلة التوريد لخلق مواقف مربحة لكلا الجانبين: جانب المشترين والموردين وجانب البنوك، مما يثبت قوّة التغيير للحلول المحلية.

التخصيم العكسي: أداة لتعزيز كفاءة سلسلة التوريد


يعد التخصيم العكسي (Reverse Factoring) أحد أكثر التطبيقات ابتكارًا لتمويل سلسلة التوريد. وعلى عكس التخصيم التقليدي، حيث "يبيع" الموردون فواتيرهم الحالية إلى طرف ثالث (المُخصّم) مقابل تحصيل النقد ويقوم المشتري بعدها بالدفع للطرف الثالث، فإن التخصيم العكسي يبدأه المشتري لتمكين مورديه من تقديم فواتيرهم إلى البنك للحصول على التمويل. ويستفيد البنك من السجل الائتماني القوي للمشتري، فيخصم الفواتير ويوفر للمورد الأموال اللازمة مقدمًا.
وباتباع النموذج أعلاه، تعم الفائدة على كافة الأطراف المعنية. فالمورد يحصل على خيارات السيولة اللازمة للحفاظ على التدفق النقدي، والمشتري يمكّن مورديه من الاستمرار في العمل، والبنك يحصل على عمولته من المدفوعات المبكرة ويؤمّن الفواتير كـ"ضمان" أثناء اكتساب عملاء جدد.
وبالتالي، يعزز التخصيم العكسي الشمول المالي للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ويوسع نطاق وصولها إلى التمويل، ومشاركتها في الاقتصاد الوطني.

دور جوباك في تعزيز الابتكار المالي

نفخر في جوباك بكوننا لاعباً محورياً في المنظومة المالية في الأردن، حيث تسمح علاقاتنا الوطيدة مع البنوك المحلية بتقديم مجموعة متنوعة من خيارات التمويل المصممة خصيصًا لتلبية احتياجات المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. ومن خلال التعاون مع مؤسسات رائدة مثل المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية (EBRD) والعديد من المؤسسات الأخرى، فإننا نعزز الابتكار ونمتثل للمعايير الدولية.
بالإضافة إلى تسهيل إتاحة الحلول المحلية، تدعم جوباك أيضًا بناء القدرات في القطاع المصرفي. فمن خلال تقديم العديد من الدورات الأساسية والمتقدمة للبنوك من قبل مؤسسة FCI، الهيئة التمثيلية العالمية لتخصيم وتمويل المستحقات التجارية المحلية والدولية ذات الحسابات المفتوحة، فإننا نزود القطاع المصرفي بالأدوات والمعرفة اللازمة للتغلب على تعقيدات ممارسات تمويل سلسلة التوريد الدولية. ويعمل هذا التدريب على تمكين البنوك الأردنية من تطبيق أفضل الممارسات المستفادة من دول أخرى، مما يعزز الاقتصاد المحلي بشكل أكبر.


نظرة على المستقبل: إطلاق العنان لفرص المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة


في المستقبل، نتوقع استمرار نمو حلول التمويل الرقمي وتمويل سلسلة التوريد في الأردن. وسيلعب الاقتصاد الرقمي دورًا متزايد الأهمية في التغلب على العقبات التقليدية لتمويل المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، ولاسيما مع الدور الذي تلعبه ابتكارات التكنولوجيا المالية في توسيع نطاق الشمول المالي. وبشكل خاص، فإن قطاعات الطاقة المتجددة والزراعة والتكنولوجيا مهيأة لتوسيع نمو المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، شريطة أن تتمكن من الوصول إلى الأدوات المالية اللازمة.
وستبقى جوباك ملتزمة بإحداث التغيير في هذا القطاع، وستواصل دعم المؤسسات المتناهية الصغر الصغيرة والمتوسطة والبنوك وأصحاب المصلحة من خلال تسهيل الوصول إلى الأدوات المالية المتقدمة، وتعزيز أفضل الممارسات، ودعم التعاون الهادف. معًا، يمكننا سد الفجوات القائمة، وفتح فرص جديدة، ودفع التقدم المستدام للاقتصاد الأردني.

 

[1] غرفة صناعة عمّان: https://jci.org.jo/Chamber/Services/Sectors/80095?l=en

[1]  غرفة صناعة عمّان: https://jci.org.jo/Chamber/Services/Sectors/80095?l=en

[1]  https://www.cbj.gov.jo/ebv4.0/root_storage/en/eb_list_page/national_financial_inclusion_strategy_(2018-2020)-_document.pdf

[1] https://www.giz.de/en/downloads/giz2023-en-jordan-financial-inclusion-study-2022.pdf

[1] https://www.cbj.gov.jo/ebv4.0/root_storage/en/eb_list_page/national_financial_inclusion_strategy_(2023-2028)-_document-1.pdf


استكشف المزيد من منشورات

عرض جميع مشاركات المدونة
-
Defined as the system by which an organisation operates and is controlled and the mechanisms by which it ...
بواسطة
Maha Bahou
-
لطالما كانت استضافة اللاجئين حدثاً رئيسياً في تاريخ الأردن: فيملك الأردن ثاني أعلى عدد من اللاجئين عالمياً مقارنةً ...
بواسطة
ند السرابي
Healthcare
When looking at the surface, Financial Technology (Fintech) and healthcare appear to be two starkly different disciplines. For ...
بواسطة
Moayad Ghannam