العمل من المنزل: مغامرة ومثابرة
لقد سعيتُ باستمرار منذ نشأة شركة جوباك، إلى خلق ثقافة وقيم وعلاقات بين الموظفين في الشركة تحاكي أجواء منزل تشغله عائلة متماسكة ومتعاونة وداعمة. ففي نمط الحياة الحديثة اليوم، يقضي الموظفون جزءًا كبيرًا من وقتهم في المكتب. ومن وجهة نظري الشخصية إن خلق هذا الجو لا يرفع الروح المعنوية في الشركة فحسب، بل له أيضًا تأثير إيجابي مباشر على أداء وكفاءة الموظفين. لذلك، كانت مهمة جعل جوباك بمثابة منزل لكل موظف؛ تحديًا التزمتُ به منذ اليوم الأول. ومع ذلك، لم أتوقع يوما أن أضطر إلى جعل المنزل بمثابة جوباك.
في السابع عشر من آذار، كان الشعور بعدم اليقين يملأ الأجواء في يوم رمادي ممطر. وكانت الأخبار المحيطة بجائحة الكورونا من جميع أنحاء العالم بالكاد تواكب السرعة التي انتشر بها المرض فعلياً. كانت المعنويات منخفضة حول العالم. وأذكرُ بوضوح مشاعري طوال ذلك اليوم؛ رهبة وقلق بشأن صحة أسرتي الجديدة والقديمة، وصحة بلدي، واستدامة الأهداف الاستراتيجية التي دأبنا على المثابرة عليها في العام السابق.
بعد أن كرستُ النصف الأخير من حياتي المهنية لتطوير البنية التحتية المالية الرقمية في الأردن ونمو الشمول المالي، كنتُ على يقين بأهمية عمل جوباك خلال هذه الفترة الحرجة. لذلك، لم يكن من الضروري فقط نقل جوباك بنجاح إلى منزل كل عضو من أعضائها، ولكن أيضًا وخلال هذه الخطوة كان من الضروري ضمان زيادة كفاءتنا وإنتاجيتنا إلى الحد الأقصى لتلبية الاحتياجات والمتطلبات المالية الوشيكة التي ستترتب على الإغلاق الوطني.
في كتابة هذه المدونة، أودُّ أن أشاركك، أيها القارئ، تجربتنا في العمل من المنزل. من مساعدة الهيئات الحكومية في رقمنة برامج المساعدات النقدية الخاصة بهم، وإطلاق بنية تحتية مالية رقمية جديدة، والتطوير على البنية التحتية الحالية، إلى حملات التوعية والشراكات الجديدة، أثبتت تجربتنا بعيدًا عن المكتب قوة ومرونة فريق جوباك وأهدافه والطرق التي يعمل بها.
كان أكثر ما استرعى انتباهي أثناء العمل من المنزل هو تقوية تعاون فريقنا. على الرغم من الانفصال الجسدي، تحول الموظفون على الفور إلى ترتيبات عمل أكثر صرامة. من خلال الاجتماعات المتكررة على مستوى الدوائر والشركة، وأصبح الجميع أكثر تفاعلاً وتم تمثيل أفكارهم بدرجة أعلى في معظم شؤون الشركة. كأن فترة الانفصال عززت روح العمل الجماعي. اليوم، يعمل الفريق بشكل أكثر تناسقًا من أي وقت مضى، بوتيرة محسوبة ومنظمة جيدًا حيث تم الحفاظ عليها بعد عودتنا إلى المكتب.
في حالات الخوف والذعر العام، نشهد تسارعاً في انتشار المعلومات المضللة. ونتيجة لذلك، فإن نزاهة القطاع المالي الرسمي والمبادرات الحكومية والخاصة المختلفة للحفاظ على صحة الاقتصاد والأطراف الأكثر عرضة للضرر تصبحُ مهددة. في جوباك، يمثّل نشر المعرفة والوعي ومحو الأمية المالية والرقمية ركيزة استراتيجية شاملة للشركة، وتُشكّل الأساس الذي تقوم عليه جوباك بتطوير وتعزيز النظام البيئي المالي الرقمي في الأردن. ولذلك، تحملت جوباك مسؤولية أن تصبح مصدرًا للحقيقة والمعلومات للمؤسسات والأفراد على حد سواء. تِباعاً، وخلال فترة الإغلاق، أنتجت جوباك مواد توعية واسعة النطاق تستهدف مستخدمي الأموال الإلكترونية على وجه التحديد لأنهم يمثلون بعض أكثر شرائح المجتمع الأردني ضعفاً. وقد تُوّجت هذه الجهود بإطلاق صفحة مستقلة على فيسبوك (محافظنا)، والتي تُركز على زيادة المعرفة المالية الرقمية لمستخدمي المحافظ الإلكترونية.
علاوة على ذلك، قامت جوباك بكتابة ونشر تقريرين شاملين، وعقدت ندوات عبر الإنترنت لتقديم ومناقشة المواضيع الرئيسية في الشمول المالي والخدمات المالية الرقمية: التقرير الأول حلل وناقش التحول الرقمي للمؤسسات المالية في الأردن، بينما ناقش الثاني نتائج تجربة رقمية هدفت إلى تحليل وفهم العوائق التي تواجهها النساء في الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية واستخدامها.
طوال سنوات خبرتي، شهدتُ وكنتُ جزءاً من إنجازات أُقدّرها وأفتخرُ بها. ومع ذلك، فقد كان إنجاز فريق جوباك خلال العمل من المنزل من أعز الإنجازات على قلبي. نجحت جوباك في تطوير البنية التحتية الرقمية من خلال إطلاق نظام دفع فوري جديد خلال الجائحة بكافة مراحله ابتداء من تنزيل التطبيقات، وفحصها، والفحص مع البنوك المشاركة وتقديم الدعم الفني والتقني لهم، إلى النجاح الباهر في إطلاق هذا النظام الجديد مع أربعة بنوك أردنية، وهو نظام كليك للدفع الفوري. وقد أظهر فريق جوباك في تقديم هذا العمل الفذ عن بُعد كفاءة وموثوقية لا مثيل لها في رأيي. ولم يكن من الممكن أن يأتي كليك في وقت أكثر ملاءمة لتمكين المدفوعات الفورية بين البنوك من تمهيد الطريق نحو اقتصاد رقمي شامل.
في ظل هذه التطورات، لم تشعر جوباك وحدها بأهمية الخدمات المالية الرقمية. بل أظهرت كل من المؤسسات الخاصة والعامة على حد سواء تقديرًا وفهمًا جديرًا بالملاحظة لأهمية الخدمات المالية الرقمية خلال هذا الوقت الحرج. فمنذ بداية الأزمة، انضم 64 مفوتراً جديدًا إلى منصة إي فواتيركم، مما مكّن المستهلكين من الاستمرار في الدفع للخدمات ومنع انقطاع التدفق النقدي لمختلف الجهات الفاعلة المتنوعة عبر الاقتصاد الأردني. بالإضافة إلى ذلك، تولت الحكومة الأردنية دور المناصر الوطني للمحافظ الإلكترونية، مما يضمن أن الفئات الأكثر تأثراً بالجائحة في الأردن قادرون على تلقي الرواتب والمساعدة النقدية من خلال قناة مالية يمكن الوصول إليها ويمكن الاعتماد عليها على الرغم من فقدان القدرة على التنقل التي شهدها المجتمع الأردني. وقد تم دعم ذلك من خلال دور البنك المركزي الأردني في تمكين الالتحاق الرقمي عن بُعد للمحافظ الإلكترونية، مما مهد الطريق لفتح أكثر من 600,000 محفظة في غضون أربعة أشهر. وساهم عدد من البنوك في هذا الجهد من خلال السماح بالسحب النقدي من المحافظ الإلكترونية من خلال أجهزة الصراف الآلي الخاصة بهم، مما يجعل نسبة المحفظة إلى نسبة الإيداع والسحب النقدي (CICO) في الأردن مماثلة للأسواق المالية المتطورة عالميًا. وسلطت هذه الشراكات والتعاون الضوء على نضج الجهود التي تبذلها المؤسسات الأردنية للحفاظ على معيشة المواطنين والمقيمين على حد سواء، وتقليل الآثار السلبية التي تعاني منها الفئات الأكثر ضعفاً في الأردن.
وأنا أكتبُ هذه المدونة من مكتبي اليوم، محاطة بعائلة جوباك، أدركُ التحديات التي تنتظرنا. كانت هذه الأزمة بمثابة جرس إنذار للكثيرين لأهمية الخدمات المالية الرقمية والشمول المالي، وقد حددت إيقاعًا لوتيرة جديدة من التطور والرقمنة في السوق المحلي. لذلك فإن دورنا ومسؤوليتنا هو الحفاظ على هذا الإيقاع والاستفادة من الشراكات والجهود التي تجري من حولنا والبناء عليها. ومع ذلك، أشعرُ بالارتياح تجاه التفاني والشغف اللذين شهدتهما من فريق جوباك أثناء العمل من المنزل. كان من الواضح لي، في الهدوء الذي أعقب العاصفة، أن شركة جوباك أصبحت مرادفة للمنزل حتى قبل أن تضرب العاصفة. من خلال تعزيز بيئة تمكينية وداعمة، غدت عائلة جوباك تحمل رسالتها وأهدافها ومحفزات نجاحها أينما تواجدت بدافع متنامي يضع مصلحة الوطن نصب عينيه. في وقت كتابة هذه المدونة، لا يزال مبهماً إذا كانت الموجة الثانية من جائحة الكورونا ستعيدنا إلى منازلنا. فقد أظهرت هذه التجربة هشاشة بيئات العمل التقليدية، على الرغم من العيش في وقت يمكن فيه تقديم الخدمات أينما كنا. لذلك، أود أن أنهي هذه المدونة بأن أوصي لك عزيزي القارئ، بغض النظر عن خلفيتك المهنية أو مستوى مسؤوليتك، بإعادة تقييم البيئة التي تعمل فيها. مهما يحمل المستقبل في طياته، فأنا على ثقة بأننا سوف نجتازه من خلال دعم روح التعاون والتفاني والأهم من ذلك الشغف لأي شيء قد نعمل من أجله.