الهوية الرقمية: الحلقة المفقودة في رحلة الرقمنة المالية في الأردن
تُعتبر الهوية حقٌ من حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، ولكن الملايين على مستوى العالم محرومون من الوصول إلى الخدمات لأنهم غير قادرين على تقديم دليل على هويتهم. ننعم في الأردن بامتلاك منظومة هوية وطنية شاملة وراسخة وواسعة الانتشار تمنح الحماية لكافة الأردنيين وحق الوصول إلى الخدمات بعدالة. ومع ذلك؛ وفي ظل جهود الأردن الواسعة نحو الرقمنة، خلقت منظومة الهوية الوطنية تحديا كبيرا أمام هذه الجهود، حيث تتطلب مصادقة الهوية احتكاكًا مباشرا للمستهلكين الساعين للحصول على خدمات مختلفة. وتفاقمت هذه التحديات خلال جائحة الكورونا، وما كان بإمكان المواطنون على امتداد جغرافيا الأردن إثبات هويتهم للوصول إلى الخدمات المالية الأساسية دون الإجراء الطارئ الذي اتخذه البنك المركزي الأردني لتقليل متطلبات اعرف عميلك على محافظ الهاتف النقالة والسماح بالتسجيل الذاتي عبر الإنترنت.
ومن غير المقبول أن يبقى هذا الوضع في عصر التكنولوجيا، ويتوجب علينا لزاماً تمكين المستهلكين من إثبات هويتهم الحقيقية دون الحاجة إلى مغادرتهم لمنازلهم، الأمر الذي سيخفف حتماً من الإجراءات المعقدة والشاقة على المواطنين، وأيضا سيمكن الحكومة من تنفيذ تدابير وبرامج الإغاثات المالية بسرعة وكفاءة في حال حدوث أزمات مستقبلية. الأهم من ذلك كله، تحقيق هذه المزايا للحكومة والمواطن دون المساس بسلامة النظام المالي.
قمنا في شركة جوباك بوضع تصوّر شامل وواضح لحل هذه المعضلة يضمن للمواطنين والمقيمين في الأردن حقهم في إثبات هويتهم الحقيقية في العالم الرقمي؛ متضمنا تعزيز التدابير والسياسات الضامنة لحماية بياناتهم ومعلوماتهم الحساسة. ويهدف مشروع الهوية المالية الرقمية، واعرف عميلك إلكترونيا eKYC إلى إنشاء منصة موحدة للهوية المالية للأفراد والشركات، تسهّل قدرة المؤسسات المالية في الحصول على كافة معلومات عملائها رقميًا والتحقق منها بما يتوافق مع تعليمات ومتطلبات الامتثال للبنك المركزي الأردني، وبالتالي تمكين المقيمين والمواطنين في الأردن من الوصول إلى الخدمات المالية عن بُعد وبشكل آمن من خلال القنوات الرقمية المتاحة من قبل البنوك والمؤسسات المالية الرقمية. ويعتمد تصميم منصة eKYC على خمس ركائز أساسية تشير بوضوح إلى وظائف المنصة الأساسية:
التحقق من الهوية المالية الرقمية وإثباتها والمصادقة عليها:
ستتيح المنصة للمستهلكين تقديم إثبات موثوق وموثّق للهوية، مع آليات تزويد والتحقق والإثبات لمتطلبات إعرف عميلك التي يفرضها البنك المركزي الأردني معززة بالتحقق البيولوجي وإثبات صحة وثيقة الهوية. سيتم ذلك عن طريق الربط مع البنية التحتية البينية الإلكترونية للحكومة ومع مفتاح البنية التحتية العام PKI وسجلات الأحوال المدنية والجوازات.
حماية متكاملة لمعلومات الهوية من التلاعب وتتبع أي تعديل أو تغيير:
نظرًا لحساسية البيانات، سيتم تسجيل جميع الإجراءات المتخذة على المنصة أو الدخول أو الاستخدام بطريقة موثقة ومحمية باستخدام أعلى تقنيات التشفير والتوثيق وتقنيات البنية التحتية blockchain لتسجيل الإجراءات المتخذة على المنصة والدخول إليها.
حماية بيانات المستهلك وشرط موافقة المستهلك صاحب العلاقة:
سيتم منح الاطلاع على أي معلومات شخصية من قبل مالك تلك المعلومات (المستهلك) حصرا من خلال منظومة صارمة وشاملة لإدارة وتوثيق والتحقق من موافقة المستهلك صاحب المعلومة وفقًا للوائح المحلية والدولية وأفضل الممارسات.
تخزين البيانات بشكل آمن:
سوف يتم استخدام تكنولوجيا متقدمة وغير مركزية لتخزين معلومات وبيانات العميل مع تشفيرها وحمايتها بما يتوافق مع جميع لوائح البنك المركزي / الحكومة بهذا الخصوص وبحسب أفضل معايير الأمن السيبراني الدولي.
دعم القنوات المتعددة والتشغيل البيني:
تهدف المنصة إلى زيادة الشمول المالي، وعليه سوف تعتمد على تكنولوجيا توفر التوافقية وقابلية التشغيل المتبادل مع الأجهزة الذكية والإلكترونية/ أنظمة التشغيل المختلفة لدعم القنوات الرقمية المتعددة من خلال بناء المنصة الموحدة على واجهة برمجة التطبيقات (API) مع الجهات الحكومية والهيئات الرسمية والجهات غير الحكومية والمشاركين في المنصة.
تضمن منصة الهوية الرقمية والتعرف على العميل إلكترونياً توفيرهوية مالية رقمية متكاملة وفريدة لكل مستهلك مالي في الأردن، مما سيلغي تكرار البيانات عبر المؤسسات أو تباين هذه البيانات. وهذا من شأنه ليس فقط حماية النظام المالي وتوفير مستويات أعلى من الشفافية واتساق البيانات، بل سوف يؤدي أيضا إلى تبسيط الإجراءات وتسهيل الخدمات المالية للمستهلكين.علاوة على ذلك، سوف يمكن المستهلك من الحفاظ على معلوماته وتحديثها باستمرار عبر القطاع المالي بأكمله من خلال قناة واحدة. وتتجاوز فوائد هذه المنصة المستوى الجزئي للأردن حيث ستعمل على تحسين وضع الأردن الكلي كسوق مالي آمن؛ مما سينعكس إيجابا وبشكل مباشر على التقييم العالمي للائتمان والمخاطر في الأردن، وبالتالي الارتقاء بالأردن كمركز استثماري جاذب للأموال، بالاضافة إلى تقليل كلفة الامتثال على المؤسسات المالية، الأمر الذي من شأنه أيضا تعزيز الابتكارات والتطوير في جوانب القطاع المالي. وبالنظر إلى مشاريع وأنظمة مشابهة مطبقة في بلدان أخرى وأثرها على اقتصاديات هذه الدول، يمكننا التنبؤ بأن تنفيذ مثل هذه المنصة على المستوى الوطني سوق يحقق قيم مضافة للاقتصاد الوطني بما يعادل 3 إلى 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030 بحسب نطاق التطبيق.
ولم يغب عن بالنا القيمة المضافة التي يمكن للمنصة تقديمها للحكومة الأردنية والهيئات الإغاثية والمنظمات الإنسانية بطرق مختلفة. ومرد ذلك أن المنصة توفر هوية وظيفية (مالية) فريدة تتيح للجهات الحكومية قدرات عالية لرصد ومنع الأنشطة المالية المشبوهة. خاصةً وأن المنصة لن تعمل فقط على الهوية المالية الرقمية للأفراد فقط، وإنما يتعداها للمنشآت والشركات ومواقع التجارة الإلكترونية مما ستعمل على إمكانية رصد وتتبع والحد من مخاطر الاحتيال وغسل الأموال وغيرها. كما وسوف تستفيد الحكومة بشكل مباشر من هذه المنصة في التحقق من الهوية الحقيقية للمستفيدين من دفعات الحكومة، بالإضافة إلى خدمة هدف الحكومة المتمثل في الشمول المالي. ونظرًا لتصميم المنصة بما يسمح بتطويرها وتوسيع مظلة المُعرّفين عليها، فإنه بالإمكان تضمين معلومات متنوعة في ملف تعريف هوية العميل لتشمل الصحة والتعليم والثروة والأراضي والمركبات والأصول والسجلات، وما إلى ذلك، بالإضافة إلى تسجيل جميع المواطنين في الحكومة الإلكترونية والخدمات الحكومية التقليدية وخدمات التوظيف، وخدمات النقل العام وغيرها الكثير.
سوف تخدم هذه المنصة جميع الشركاء في النظام المالي والمصرفي وعملائهم سواء الأفراد أوالشركات الأردنية، والمؤسسات المالية، والهيئات الحكومية، والهيئات غير الحكومية، والمؤسسات الطبية وغيرها الكثير من خلال التحقق السلس والآمن من الهوية. ونظرًا لكون المنظومة مدعومة بآلية متطورة لإدارة والتحقق من موافقة العملاء، فإنه سيعزز أيضًا من معايير الشفافية للمستهلكين حول طرق استخدام بيانات هويتهم، ويمكنهم من التحكم ببياناتهم. وتهدف شركة جوباك من خلال هذه المنصة أيضا إلى تعزيز وتكامل الجهود الوطنية لزيادة الشمول المالي في المملكة، بالإضافة إلى تمكين الأفراد والشركات من حقهم في إثبات هوية مالية رقمية مقبولة عالميا تتمتع بالأمان وتتوافق مع كافة جهود ومشاريع التحول الرقمي في العالم.